فصل: قال ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}
قوله تعالى: {مِنْ أَمْوَالِهِمْ}: يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلقٌ بـ {خُذْ} و{مِنْ} تبعيضية. والثاني: أن تتعلق بمحذوف لأنها حالٌ مِنْ {صدقة} إذ هي في الأصل صفةٌ لها فلمَّا قُدِّمت نُصِبَتْ حالًا.
قوله: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} يجوز أن تكونَ التاء في {تُطَهِّرهم} خطابًا للنبي عليه السلام، وأن تكون للغَيْبة، والفاعل ضمير الصدقة. فعلى الأولِ تكونُ الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ فاعل {خذ}. ويجوز أيضًا أن تكونَ صفةً لـ {صدقةً}، ولابد حينئذ من حذف عائد تقديره تطهِّرهم بها. وحُذِف بها لدلالة ما بعده عليه. وعلى الثاني تكون الجملة صفةً لصدقة ليس إلا. وأما {وتُزَكّيهم} فالتاءُ فيه للخطاب لا غير لقوله: {بها} فإن الضميرَ يعود على الصدقة فاستحالَ أن يعودَ الضمير مِنْ {تزكِّيهم} إلى الصدقة، وعلى هذا فتكون الجملةُ حالًا مِنْ فاعل {خُذْ} على قولنا إنَّ {تُطَهِّرهم} حال منها وإن التاء فيه للخطاب. ويجوز أيضًا أن تكون صفة إن قلنا إن {تطهِّرهم} صفةٌ، والعائدُ منها محذوفٌ.
وجَوَّز مكي أن يكون {تُطَهِّرهم} صفةً لصدقة على أن التاء للغيبة، و{تُزَكِّيهم} حالًا من فاعل {خُذْ} على أن التاء للخطاب. وقد رَدُّوه عليه بأن الواوَ عاطفةٌ أي: صدقةً مطهِّرةً ومُزَكَّيًا باه، ولو كان بغير واوٍ جاز. قلت: ووجهُ الفسادِ ظاهرٌ فإن الواوَ مُشَرِّكَةٌ لفظًا ومعنى، فلو كانت {وتزكيهم} عطفًا على {تُطَهِّرهم} لَلَزِمَ أن تكونَ صفةً كالمعطوف عليه، إذ لا يجوز اختلافُهما، ولكن يجوزُ ذلك على أن {تزكِّيهم} خبر مبتدأ محذوف، وتكون الواوُ للحال تقديره: وأنت تزكِّيهم. وفيه ضعفٌ لقلةِ نظيرِه في كلامهم.
فتلخَّص من ذلك أن الجملتين يجوز أن تكونا حالَيْن من فاعل {خُذْ} على أن تكونَ التاءُ للخطاب، وأن تكونا صفتين لصدقة، على أن التاء للغيبة، والعائد محذوفٌ من الأولى، وأن تكون {تطهِّرهم} حالًا أو صفةً، و{تزكِّيهم} حالًا على ما جَوَّزه مكي، وأن تكونَ {تزكِّيهم} خبرَ مبتدأ محذوف، والواوُ للحال.
وقرأ الحسن: {تُطْهِرهم} مخفَّفًا مِنْ أطهر عَدَّاه بالهمزة.
قوله: {إِنَّ صلاوتك} قرأ الأخوان وحفص: {إنَّ صلاتَكَ}، وفي هود: {أصلاتك تأمُرك} بالتوحيد، والباقون: {إنَّ صلواتك} {أصلواتُك} بالجمع فيهما وهما واضحتان، إلا أنَّ الصلاةَ هنا الدعاء وفي تِيْكَ العبادة.
والسَّكَنُ: الطمأنينة قال:
يا جارةَ الحيِّ ألاَّ كنتِ لي سَكَنًا ** إذ ليس بعضٌ من الجيران أَسْكَنني

ففَعَل بمعنى مفعول كالقَبْض بمعنى المقبوض والمعنى: يَسْكنون إليها.
قال أبو البقاء: ولذلك لم يؤنِّثْه لكن الظاهر أنه هنا بمعنى فاعل لقوله: {لهم}، ولو كان كما قال لكان التركيب سكنٌ إليها أي مَسْكون إليها، فقد ظهر أن المعنى: مُسَكِّنة لهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}
تطهرهم مِنْ طَلَبِ الأَعواض عليها، وتزكيهم عن ملاحظتهم إياها.
تطهرهم بها عن شُحِّ نفوسهم، وتزكيهم بها بألا يتكاثروا بأموالهم؛ فَيَرَوْا عظيم مِنَّةِ الله عليهم بوجدان التجرُّد منها.
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ}: إنْ تُعاشِرْهم بِهِمَّتِكَ معهم أثْمنُ لهم من استقلالهم بأموالهم. اهـ.

.قال ابن القيم:

.فصل في بيان معنى الصلاة على النبي:

وأصل هذه اللفظة في اللغة يرجع إلى معنيين:
أحدهما الدعاء والتبريك.
والثاني العبادة فمن الأول قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة 103] وقوله تعالى في حق المنافقين: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} [التوبة 84] وقول النبي: «إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب فإن كان صائما فليصل» فسر بهما قيل فليدع لهم بالبركة وقيل يصلي عندهم بدل أكله وقيل إن الصلاة في اللغة معناها الدعاء.
والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة والعابد داع كما أن السائل داع وبهما فسر قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر 60] قيل أطيعوني أثبكم وقيل سلوني أعطكم وفسر بهما قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة 186].
والصواب أن الدعاء يعم النوعين وهذا لفظ متواطئ لا اشتراك فيه فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} [سبأ 22] وقوله تعالى: {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} [النحل 20] وقوله تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} [الفرقان 77].
والصحيح من القولين لولا أنكم تدعونه وتعبدونه أي أي شيء يعبأ بكم لولا عبادتكم إياه فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا} [الأعراف 55- 56] وقال تعالى إخبارا عن أنبيائه ورسله: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا} [الأنبياء 90] وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى ودعوى الاختلاف في مسمى الدعاء وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجازا شرعيا.
فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلاة حقيقية لا مجازا ولا منقولة لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما فهذا غايته تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه ولهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصلي والله أعلم.

.فصل [في صلاة الله سبحانه على عبده]:

هذه صلاة الآدمي وأما صلاة الله سبحانه على عبده فنوعان عامة وخاصة.
أما العامة فهي صلاته على عباده المؤمنين قال تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} [الأحزاب 43] ومنه دعاء النبي بالصلاة على آحاد المؤمنين كقوله اللهم صل على آل أبي أوفى وفي حديث آخر أن امرأة قالت له صل علي وعلى زوجي قال صلى الله عليك وعلى زوجك وسيأتي ذكر هذا الحديث وما شابهه إن شاء الله تعالى.
النوع الثاني صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله خصوصا على خاتمهم وخيرهم محمد.
فاختلف الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال:
أحدها أنها رحمته قال إسماعيل حدثنا نصر بن علي حدثنا محمد بن سواء عن جويبر عن الضحاك قال صلاة الله رحمته وصلاة الملائكة الدعاء. سنده ضعيف.
وقال المبرد أصل الصلاة الرحم فهي من الله رحمة ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين.
والقول الثاني أن صلاة الله مغفرته قال إسماعيل ثنا محمد بن أبي بكر ثنا محمد بن سواء عن جويبر عن الضحاك هو الذي يصلي عليكم قال صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء. ضعيف جدا.
وهذا القول من جنس الذي قبله وهما ضعيفان لوجوه:
أحدها أن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده ورحمته فقال تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة 157] فعطف الرحمة على الصلاة فاقتضى ذلك تغايرهما هذا أصل العطف وأما قولهم:
وألفى قولها كذبا ومينا

فهو شاذ نادر لا يحمل عليه أفصح الكلام مع أن المين أخص من الكذب.
الوجه الثاني أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين وأما رحمته فوسعت كل شيء فليست الصلاة مرادفة للرحمة لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمرتها ومقصودها وهذا كثيرا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن والرسول يفسر اللفظة بلازمها وجزء معناها كتفسير الريب بالشك والشك جزء مسمى الريب وتفسير المغفرة بالستر وهو جزء مسمى المغفرة وتفسير الرحمة بإرادة الإحسان وهو لازم الرحمة ونظائر ذلك كثيرة قد ذكرناها في أصول التفسير.
الوجه الثالث أنه لا خلاف في جواز الترحم على المؤمنين واختلف السلف والخلف في جواز الصلاة على الأنبياء على ثلاثة أقوال سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى فعلم أنهما ليسا بمترادفين.
الوجه الرابع أنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال اللهم ارحم محمدا وآل محمد وليس الأمر كذلك.
الوجه الخامس أنه لا يقال لمن رحم غيره ورق عليه فأطعمه أو سقاه أو كساه إنه صلى عليه ويقال إنه قد رحمه.
الوجه السادس أن الإنسان قد يرحم من يبغضه ويعاديه فيجد في قلبه له رحمة ولا يصلي عليه.
الوجه السابع أن الصلاة لابد فيها من كلام فهي ثناء من المصلي على من يصلي عليه وتنويه به وإشارة لمحاسنه ومناقبه وذكره.
ذكر البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة. سنده قابل للتحسن.
وقال إسماعيل في كتابه حدثنا نصر بن علي حدثنا خالد بن يزيد عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب 56] قال صلاة الله عز وجل ثناؤه عليه وصلاة الملائكة عليه الدعاء.
الوجه الثامن أن الله سبحانه فرق بين صلاته وصلاة ملائكته وجمعهما في فعل واحد فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي وهذه الصلاة لا يجوز أن تكون هي الرحمة وإنما هي ثناؤه سبحانه وثناء ملائكته عليه ولا يقال الصلاة لفظ مشترك ويجوز أن يستعمل في معنييه معا لأن في ذلك محاذير متعددة:
أحدها: أن الاشتراك خلاف الأصل بل لا يعلم انه وقع في اللغة من واضع واحد كما نص على ذلك أئمة اللغة منهم المبرد وغيره وإن ما يقع وقوعا عارضا اتفاقيا بسبب تعدد الواضعين ثم تختلط اللغة فيقع الاشتراك.
الثاني: أن الأكثرين لا يجووزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز وما حكي عن الشافعي رحمه الله من تجويزه ذلك فليس بصحيح عنه وإنما أخذ من قوله إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق ومن أسفل تناول جميعهم فظن من ظن أن لفظ المولى مشترك بينهما وأنه عند التجرد يحمل عليهما وهذا ليس بصحيح فإن لفظ المولى من الألفاظ المتواطئة فالشافعي في ظاهر مذهبه وأحمد يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ وهو عنده عام متواطئ لا مشترك.
واما ما حكي عن الشافعي رحمه الله أنه قال في مفاوضة جرت له في قوله: {أو لامستم النساء} وقد قيل له قد يراد بالملامسة المجامعة قال هي محمولة على الجس باليد حقيقة وعلى الوقاع مجازا فهذا لا يصح عن الشافعي ولا هو من جنس المألوف من كلامه وإنما هذا من كلام بعض الفقهاء المتأخرين وقد ذكرنا على إبطال استعمال اللفظ المشترك في معنييه معا بضعة عشر دليلا في مسألة القرء في- كتاب التعليق على الأحكام-
فإذا كان معنى الصلاة هو الثناء على الرسول والعناية به وإظهار شرفه وفضله وحرمته كما هو المعروف من هذه اللفظة لم يكن لفظ الصلاة في الآية مشتركا محمولا على معنييه بل قد يكون مستعملا في معنى واحد وهذا هو الأصل وسنعود إلى هذه المسألة إن شاء الله تعالى في الكلام على تفسير قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب 56].